Thursday, February 22, 2007

امرأة من قالونيا - بقلم : ربيحة علان علان




امرأة من قالونيا - بقلم : ربيحة علان علان

اليوم قررت الاقتراب من تلك المرأة .. إنها سيدة في السبعين من عمرها .. تسير سيرا متواضعا لا ضعيفا ولاقويا لكنها تسير .. ظهرها بان انحناؤه لكنها لا تستخدم عصا ولا تستعين بأحد ، وهي تسير وحدها مما يدل على كونها ما تزال تمارس حياتها اليومية بوعي ونشاط على الرغم من أعوامها الكثيرة ، وعلى الرغم من عظم الجهد المطلوب منها بذله للمرور بين منطقة وأخرى في بلادنا الممزقة ..قللت من سعة خطوتي لأنتظرها .. ثم أصبحت بجانبها أسير .. فبادرتها التحية والرغبة في تقديم أي مساعدة .. حيتني بأحسن منها وشكرتني بكلمات كالتي تقولها أمي .. عندما ظهر لنا الجزء المقابل من الطريق ظهر معه الجنود الصهاينة ومجنزراتهم التي تعني أن علينا الانتظار لساعات على الطريق الوعر .. البعض منا فكر بالمخاطرة للبحث عن مسرب ممكن .. وفكرت باللحاق بهم ؛ لكن صاحبتي العجوز كانت لا تستطيع ذلك .. وكانت تشير إليّ بشكل خفي ومؤدب بأن ننتظر معا .. فبقيتمعها .. وإن البقاء مع أولئك الأبرياء له جمال خاص .. لقد حملتني صاحبتي ونحن نجلس على صخور الطريق وفي ساعات الانتظار ؛ إلى قريتها الشهيدة .. إلى قالونيا .. وقالونيا إحدى القرى الخمسين التي كانت تشكل مجموعة قرى بيت المقدس الشمالية قبل نكبة فلسطين عام1948م ، وتقع قالونيا على بعد سبعة كيلو مترات إلى الشمال الغربي من القدس على طريق القدس – يافا .هي قرية كانت قائمة على منحدر جبلي وكانت تحيط بها أراضي دير ياسين والقسطل وبيت إكسا ولفتا وعينكارم وبيت نقوبا وبيت سوريك وساطاف .. أقرب القرى إليها القسطل ونشأتا كجارتين تكاملتا وظيفيا ففي حين كانت وظيفة القسطل عسكرية كانت لقالونيا الوظيفة الزراعية .. وكيف لا أطير بروحي من فوق صخور الحواجز المهجرة لأحط فوق العشب القالوني الساحر .. كيف لا تأخذني النكبة المستمرة في شعبي اليوم لهناك.. للزمان والمكان الذي أبحث فيه عن جذور نكبتنا ؛ وعن الحقيقة الكامنة وراء خروجنا الإجباري الظالم من أرضنا ومن ذاتنا ومن تاريخنا ومن مياهنا .. كيف لا يستفزني اسمقالونيا لأتعلق بأهداب امرأة صامدة جذورها مغروسة في قالونيا التي كانت في العام 1859م أول موقع فيالريف الفلسطيني امتلك المهاجرون اليهود فيه أراضي زراعية ... قالونيا التي شكل سقوطها بيد الصهاينة معسقوط كل من القسطل وديرياسين واحدة من أكثر النجاحات التي رصدها الصهاينة لصالح مشروعهم السرطانيالخبيث . وكان قد أقيم فوق أراضي قالونيا وفي فترة مبكرة مستعمرتين صهيونيتين هما موتزا التحتا وموتزا العليا ؛ رسمت هاتين المستعمرتين مع الطريق الرئيسي المار بجانب القرية – طريق القدس يافا – نقاط بارزة وهامة في تاريخ القرية ومنطقة القدس في النصف الأول من القرن العشرين .. ولا يستطيع الباحث في تاريخ قرية قالونيا إلا أن يقف مشدودا إلى حجم المقاومة والمشاركة النضالية التي نبعتمن فلاحي القرية البسطاء المحدودي الإمكانيات بل والذين عانوا من موروث اجتماعي واقتصادي وسياسيمتناقض وسلبي هو ذاته الموروث الذي أثقل كاهل كلّ الريف الفلسطيني إضافة لثقل الممارسات اللامسؤولة من القيادات العربية وفوقه عظم الخطر الصهيوني .. إن الفلاح القالوني البسيط بامكانياته المتواضعة تمكن من أن يحقق مكاسب نضالية لها بعدها العميق في الواقع الفلسطيني في تلك الفترة وكان يمكن - وأجزم بأنه كان ممكنا جدا - تغيير موازين القوى لصالح الجانب الفلسطيني فيما لو تصرفت القيادات العربية –والفلسطينية - بشكل أكثر مسؤولية مع تلك الانجازات التي حققها الفلاح الفلسطيني البسيط الامكانيات فيمدينة القدس وقراها ومنها قالونيا .. فيكفي أن مستعمرة موتزا هجرت وظلت خاوية على عروشها لمدة ليستبسيطة من شدة الهجمات القالونية على تلك المغتصبة قبل عام 48 .. بعد سقوط قالونيا بيوم واحد أي في 13 نيسان 48 تمكن اليهود من تهريب قافلة يهودية مؤلفة من 175 سيارة من السيارات الكبيرة المشحونة بالمؤن والذخيرة لإنقاذ مائة ألف يهودي في القدس كادوا يموتون جوعا وتنفذذخيرتهم بسبب حصار العرب .. ألم تكن تلك الجهود بأولى أن تستثمر ؟؟ مرت القافلة دون أن يقف في سبيلهاعائق .. بعد أن كانت بوادر الضيق الصهيوني ظاهرة .. واجه أهالي قالونيا كما كان الحال مع سائر اللآجئين الفلسطينيين ظروفا صعبا للغاية في الفترة الأولى علىالأقل من نكبتهم ، ومازالت تلك الظروف ذكريات مؤلمة آثارها ونتائجها ماثلة في المنكوبين "وورثتهم" إلى هذا اليوم ..في سنة 1956 أقيمت مستعمرة "مفسيرت يروشلايم" على أراضي قرية قالونيا . وقد ضمت إليها لاحقا مستعمرة "معوز تسيون" التي شيدت في سنة 1951 على أراضي القسطل لتشكلا معا ضاحية القدس المسماة "مفسيرت تسيون". أمي وعزيزتي الحاجة نعيمة – وهذا اسم صاحبتي القالونية – هل توافقي على التعويض مقابل عدم الرجوعلقريتك ؟قالت : لأ ، بوافقش على التعويض . قلت : بدك ترجعي يعني ؟ قالت : بدي أرجع آه .. بدي أرجع طبعا .. وإذا مو أنا ولادي وولاد ولادي بدهم يرجعوا .. آه ولا شو ... عندها قلت : طيب يا حجة قولي يا رب .. الصهاينة خرجوا من الطريق .. لنعد إلى بيوتنا ... قامت وحاولت أن تنفض ما علق بثوبها الأصيل وهمت بالسير إلى جانبي وهي تقول : يا رب .. يا رب ..